هلاله يشرق في القلوب قبل أن يتلألأ في السماء ،ونفحاته الإيمانية تغمر النفوس طمأنينة ورجاء.
عاد إلينا شهر الخيرات وفي طياته يحمل أنساً وبشْراً ،بعد غياب دام أحد عشر شهراً.
إنه رمضان درّة العام وواسطة العقد بين الشهور .
وكيف لا يكون كذلك ؛وقد شُرّعت فيه أبواب الجنة ،وغُلّقت أبواب النيران ،وصُفّدت الشياطين ومردة الجان.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا كان أوَّلُ ليلةٍ مِن شهرِ رمضانَ صُفِّدتِ الشَّياطينُ مَرَدةُ الجنِّ وغُلِّقت أبوابُ النَّارِ فلم يُفتَحْ منها بابٌ وفُتِّحت أبوابُ الجنَّةِ فلم يُغلَقْ منها بابٌ، ومنادٍ يُنادي: يا باغيَ الخيرِ أقبِلْ ويا باغيَ الشَّرِّ أقصِرْ، وللهِ عُتَقاءُ مِن وذلك كلَّ ليلةٍ". رواه ابن حبان وحسنه الألباني
عاد رمضان ليجمعنا من جديد !
ولكن ليس كما يروّج الإعلام الفاسد لشعار "رمضان يجمعنا "
فهو يدس السم في العسل، ويريد بكلمة الحق باطلاً ،ويسعى لخطف رمضان من المسلمين وإشغالهم بعروضه الفاضحة وقنواته الفاسدة.
فكم هي الإعلانات الدعائية والبرامج التلفازية التي تتسابق في صرف الناس عن شهر الطاعة والمغفرة وإدخالهم عالم العصيان والفجور والغفلة.
ثم يكتبون بالخط العريض : رمضان يجمعنا !!
ويصيحون بمكبرات الصوت : رمضان كريم!
وإنما رمضان شهر العبادة والصوم والقيام وينبغي أن يجمعنا على ائتلاف القلوب والمحبة .
وكما يجمعنا على مائدة الإفطار والسحور واجتماع الأسرة وتآلفها، فإنه يجمعنا على صلاة الجماعة والتراويح في المساجد ، ويجمعنا على تلاوة القرآن وتدارسه وتدبره .
وفي رمضان نتنافس في بذل الخير وتقديم الإفطار للصائمين.
وفي رمضان نجتمع على حب الله والرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة وتدارس السيرة .
وليس نجتمع على سهر الليل أمام الشاشات وفي المقاهي بما يسبب تضييع الواجبات الشرعية ، والنوم عن الصلاة بعد الصلاة.
رمضان يجمعنا مع نفحات الإيمان والخشوع والتضرع إلى الله والتأمين على الدعاء والخشية والبكاء.
وفي رمضان نستشعر حِكَم الصوم وثمراته؛ فإذا عطشنا نتذكر الظمآن وإذا جعنا نتذكر البائس الفقير الذي يجوع كل أيام العام.
نتعلم التقوى بهجر المعاصي والمشاحنات امتثالاً للوصية النبوية : "وإن سابه أحد فليقل إني صائم".
فحذارِ أن يُسرق منا رمضان كما سُرق من غيرنا في الأعوام السابقة.
ولتعلم أيها المسلم وأيتها المسلمة أن الله يريد أن يتوب علينا ويرحمنا فهو أرحم بِنَا من الأم بولدها .
قال الله تعالى: »والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً« [سورة النساء].
يريد أهل الشهوات أن يجذبونا إلى شباك غيهم وعصيانهم.
فمثلاً في رمضان الفائت تم تجنيد أبطال الفن والفجور وبذل الدولارات بالملايين لإغراء الصائمين في رمضان وتضييع شهر الخير عليهم.
ففي رمضان الفائت وحده تم عرض أكثر من مئة مسلسل ،ناهيك عن البرامج والفواصل الإعلانية والأفلام.
وليس المشكلة في تضييع الوقت والمال فحسب ، ولكن الطامة تكمن في تضييع الأخلاق والالتزام الشرعي وخدش الحياء وتقويض حصن الزوجية وإشاعة الفاحشة والشذوذ وتشجيع الاختلاط والسفور والاستهانة بشعائر الإسلام والطعن في العلماء، وغير ذلك مما يندى له الجبين وينفطر له قلب كل غيور على الإسلام والمسلمين.
لذلك أحبتي فلنجعل من رمضان شهر الاجتهاد والفرار إلى الله، فالعمر فرصة لا تعوض وقد لا ندرك رمضان آخر.
اللهم أعنا على الصيام والقيام وغض البصر وحفظ اللسان.
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم .