عن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول(بينا أنا نائم أتاني رجلان فأخذا بضبعيّ (كتفيّ) فأتيا بي جبلاً وعراً فقالا: اصعد، فقلت: إني لا أطيقه! فقالا: إنا سنسهله لك، فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل فإذا أنا بأصوات شديدة، فقلت: ما هذه الأصوات؟! قالوا: هذا عواء أهل النار، ثم انطلق بي فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم، مشققة أشداقهم، تسيل أشداقهم دماً، قال قلت: من هؤلاء؟! قيل: هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم!!))1. ما أعظمه من حديث أيها الأخ المسلم، إنه حديث يهز القلوب، ويرعش النفوس المؤمنة، فهذا الحديث فيه وعيد شديد للذين لا يتحرزون لفطرهم، ولا يحافظون على وقت صومهم وفطرهم، بل يفطرون قبل وقت غروب الشمس الذي هو الوقت الذي حدده الله للصائمين ليفطروا فيه بقوله - تعالى -: {ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ}2، وبيَّنه النبي الكريم - عليه الصلاة والسلام - بقوله: ((إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من هاهنا؛ وغربت الشمس؛ فقد أفطر الصائم))3. وهؤلاء لا يراعون كل هذه النصوص، بل يعمِلُون أهوائهم، ويحكِّمونها في ذلك، فأين التسليم للشرع الحكيم، وأين الرضا بهذا الدين المعصوم؟!.
أيها الأخ المسلم: وإذا كان هذا الوعيد الشديد الذي رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - في منامه هو على الذين يفطرون قبل تحلَّة صومهم أي قبل التحقق من دخول وقت الإفطار، فكيف بمن يفطر نهار رمضان من غير عذر ولا مرض؟! إن الأمر لأخطر، وإن الوعيد لأعظم.
فإن الفطر في نهار رمضان كبيرة من كبائر الذنوب، بل إن هذا الذنب أعظم من الزنا وشرب الخمر، ولقد رأى بعض الصحابة والعلماء أن من أفطر يوماً متعمداً من رمضان، وليس له عذر شرعي؛ فإنه لا يُقبل منه قضاؤه مدى الدهر، وبعضهم يوجب عليه ثلاثة آلاف يوم، وبعضهم ثلاثون يوماً، وإن كان القول الراجح من أقوال العلماء أنه يقبل منه - بإذن الله - قضاء يوم بدلاً عن ذلك اليوم، مع التوبة والتضرع لله أن يتوب عليه.
أيها المسلم الحبيب: وإن مما يبين عظم هذا الذنب وشناعته أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقرَّ الرجل الذي جاءه فزعاً خائفاً وهو يقول إنه احترق، قال: ((ما لك؟)) قال: أصبت أهلي في رمضان، فأتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بمكتل يدعى العرق، فقال: ((أين المحترق؟)) قال: أنا، قال(تصدق بهذا))4، وفي رواية أنه قال: "هلكتُ"5، فأقرَّه النبي - عليه الصلاة والسلام - على أن ذلك العمل إهلاك وإحراق للنفس. فنصيحتنا لكل مسلم ومسلمة مراعاة حدود الله، وحفظ حقوقه، وعدم الدنو من محارمه.
والله المسؤول أن يوفقنا لطاعته وحسن عبادته، والخضوع لأمره واجتناب نهيه.
والحمد لله رب العالمين.
1 أخرجه ابن خزيمة برقم (1986)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (2393).
2 سورة البقرة (187).
3 رواه البخاري برقم (1954) واللفظ له، ومسلم برقم (2612).
4 رواه البخاري برقم (1935) واللفظ له، ومسلم برقم (2659).
5 رواه البخاري برقم (1936) ومسلم برقم (2651).