إليك أيها الصائم أهمس بهذه الهمسات، هي نابعة من صميم الفؤاد، ومن أعماق الأحشاء، نبعثها إليك عبر بريد المحبة، وعلى هاتف الشوق:
إليك أبعثها من خـــافقٍ قلقٍ يخشى على الدين ظلم الحاقد الطلق
إليك أبعثها من مهجة عشقـت أخـــوة الدين هذا مبدئي العبق
إني أحبك في الرحمـن فادع لمن يرجو بحبـــك ظلاً ساعة العرق
فأما أول هذه الهمسات:
فأخلص في صومك، واحذر عليه من شائبة الرياء فإنه الداهية الدهياء، والطامة الصلعاء، التي تأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، بل هو الشرك الأصغر كما قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر))، قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال(الرياء، يقول الله - عز وجل - لهم يوم القيامة إذا جزى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم جزاء؟))1. وأما ثاني الهمسات:
فليصم ظاهرك وباطنك، وسرك وعلانيتك وذلك بالصوم عن المفطرات الحسية والمعنوية، وهذا صوم العامة والخاصة، فإن البعض يصومون عن المفطرات الحسية كالأكل والشرب والجماع، ويفطرون على ما سواها، وحظهم من صيامهم كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - ((رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورب قائم حظه من قيامه السهر))2،وأما الخاصة: فإنهم يصومون عن المفطرات الحسية كالأكل والشرب والجماع، والمفطرات المعنوية كالكذب والغيبة، والنميمة و البذاء، والفحشاء والكلمة الشنيعة، والمفردات الخليعة واستماع الغناء، والإنصات للخنا، وأذية العباد، ومزاولة الفساد، والمشي إلى الحرام ... وغيرها من المفطرات التي لا يتنبه لها إلا الخاصة من الصوام لله رب العالمين. وإذا أردت الأخذ بالعزيمة فعليك بصوم خاصة الخاصة: وهو صوم القلب عن الأفعال الدنيئة، والأفكار الدنيوية، وكفِّه عما سوى الله - سبحانه - بالكلية، وقد وصف الغزالي صاحب هذه الرتبة بأنه مقبل بكامل الهمة على الله، منصرف عما سواه، متمثل في كل ذلك - قوله تعالى -: {قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون}3، وهذه هي رتبة الأنبياء والصديقين، والمقربين من عباد الله المخلَصين. تقبل الله صيامنا وقيامنا، وسائر أعمالنا، وجعلنا في كل الأزمان له عابدين، وفي كل الأحوال به موصولين، وفي كل مكان عليه متوكلين، ونسأله أن يجعلنا من المرحومين بصيام رمضان، ومن عتقائه من النار، وأن يختم لنا شهر رمضان بالغفران ...آمين، والحمد لله رب العالمين.
1 رواه أحمد برقم (23680)، وحسنه الأرنأووط بنفس الرقم.
2 رواه أحمد برقم (8843)، وحسنه الأرنأووط بنفس الرقم.
3 سورة الأنعام (91).