يقترب
رمضان فتطفو على السطح فئات اجتماعية مختلفة لها أوضاعها الخاصة وظروفها الطارئة. فئات لا تتوفر فيها أحيانا شروط الصيام ومتطلباته الروحية والنفسية والشرعية ولا تسمح لها الظروف القاهرة بأداء كل أو بعض من هذه الفريضة الجليلة والمنسك العظيم. ويدخل في هذا التصنيف النساء الحوامل والمرضعات اللواتي تتطلب حالاتهن عناية صحية خاصة واستشارة شرعية موثوقة قبل الإقدام على الصيام في رمضان وفي غير رمضان.
رأي الدين
اختلف العلماء قديما وحديثا حول مسألة إفطار الحامل أو المرضع في شهر رمضان، فهناك من لا يرخص لها بالإفطار بتاتا وهم قلة، وهناك من يرخص لها بالإفطار إن خافت على نفسها أو جنينها أو رضيعها مرضا أو فسادا شريطة القضاء بعد رمضان. لذلك ينصح المعنيون بالأمر بطلب فتوى شرعية في الموضوع من الجهات المختصة.
رأي الطب
ينصح الطب الحديث المرأة الحامل أو المرضع بالامتناع عن الصيام في رمضان وفي غير رمضان إذا إقتضى وضعها الصحي ذلك حسب تقديرها الشخصي أو تقدير الطبيب المعالج، ولا يرى مانعا في صيامها إذا كانت تتمتع بمواصفات صحية جيدة، لكون الحمل والإرضاع ليسا في الأصل مرضاً، وإنما حالة ظرفية عارضة.
علاقة الحمل بالصيام
يرى الطب أن الحمل جزء من وظائف الجسم الفسيولوجية والطبيعية. ويعتبر جسم المرأة قادرا على التأقلم مع الصيام في الظروف العادية. أما في حالة الحمل، فإن المرأة الحامل بحاجة إلى تغذية إضافية للجنين وبمعدل منتظم من "الجلوكوز". ويؤدي انخفاض هذا العنصر في دم الأم بسبب الصيام إلى نقص في دم الجنين، الأمر الذي يدفع جسم الأم إلى البحث عن التوازن عبر حرق دهون جسمها لتوفير كمية الجلوكوز المطلوبة، وينتج عن هذه العملية إفراز ما يسمى بالأجسام الكيتونية "الأسيتون"، التي إذا ارتفعت معدلاتها أثرت على صحة الحامل والجنين معا.
علاقة الرضاعة بالصيام
يؤكد الأطباء أن الأطفال يعتمدون بشكل كلي على الرضاعة خلال الأشهر الأربعة الأولى من ولادتهم. ويحذرون من مخاطر التخلي عن هذه العملية أو عدم الانتظام فيها. فبسبب الصيام، تنقطع المرضع عن الأكل والشرب طيلة النهار فيستنزف جسدها، وترتفع حاجتها إلى السوائل لزيادة إدرار الحليب الطبيعي الذي يحدث أن يجف من ثدييها أو تتغير كميته المطلوبة. الأمر الذي يمكن أن ينعكس سلبا على صحتها وصحة رضيعها. فتضطر إلى تعويض النقص في حليبها بالاعتماد على الرضاعة الصناعية التي لا تقارن فوائدها بالرضاعة الطبيعية.
نصائح للحامل في رمضان
على المرأة الحامل اتباع سلوكات غذائية سليمة خلال رمضان لتأمين سلامتها الصحية وسلامة جنينها. وهكذا تنصح الحامل بتناول وجبة السحور كاملة مع تأخيرها قدر المستطاع لتقليل ساعات الانقطاع. كما يجب عليها تناول الأطعمة الغنية بالفيتامينات، والإكثار من السوائل، وتجنب المجهود البدني خلال ساعات الصيام حتى لا يضطر الجسم إلى حرق المزيد من الدهون وبالتالي ارتفاع نسبة المواد غير المرغوب فيها. كما يتعين عليها استشارة الطبيب المعالج عند حدوث أية متاعب أو مضاعفات كالإحساس بالدوار أو الهزال أو الضعف والوهن، أو ظهور الالتهابات المصاحبة للحمل...
نصائح للمرضع في رمضان
تنصح المرأة المرضع باستشارة الطبيب حول قدرتها على الصيام. ويجب عليها مراعاة التوازن الغذائي أثناء فترة الصيام والرضاعة ومحاولة التوفيق بينهما، من خلال التنويع في وجبة الإفطار بالخضار الغنية بالمعادن والفيتامينات والألياف والشوربات المتنوعة والبروتينات من مصادرها النباتية والحيوانية. وإذا كانت المرضع تتعاطى لعقاقير أو أدوية معينة، تنصح بأخذها على فترتين بعد الافطار والسحور، أو توزيعها على فترات ثلاث خلال المساء. ويستحسن لها تناول كميات كبيرة من الماء في الفترة مابين الإفطار والسحور بما لايقل عن 8 أكواب لتعويض السوائل المفقودة من جسمها ولإدرار الحليب.
خلاصة القول
يتوقف صيام الحامل والمرضع على عوامل صحية معقدة وأخرى نفسية واجتماعية ودينية، لذلك يتعين على المعنيات بالأمر مراجعة الطبيب المختص من جهة، لتحديد قدرتهن على الصوم من عدمها، كما يتوجب عليهن استصدار فتوى شرعية من الجهات المختصة التي لها القدرة والعلم والمصداقية للحسم في مثل هذه المواضيع. ومهما يكن الأمر، ينصح النساء الحوامل والمرضعات باتخاذ الاحتياطات اللازمة قبل وأثناء وبعد الصيام، لحماية أنفسهن، والحفاظ على فلذات أكبادهن، ولتضع كل واحدة في حسبانها أن الإسلام دين يسر وليس دين عسر، وأن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها.