من المعروف أن عمل المؤمن للآخرة لا ينقضي بانقضاء مواسم العمل الدنيوية، و حِرْصُ المسلم على مرضاة ربه لا ينتهي إلا بالموت، لذلك، شرع الله الفرائض والواجبات وسَنَّ السنن والنوافل. فعندما تنتهي صلاة الفريضة يُستحب إتباعها بصلاة النافلة، وعندما تُؤدَّى الزكاة تُستحسن تزكيتها بالصدقة، وعندما ينقضي
رمضان يُنصح بصيام التطوع، خاصة صيام ستة أيام من شوال لما لها من فوائد كبيرة وفضائل عظيمة.
حكم صيام ستة أيام من شوال
أجمع فقهاء المسلمين على أن صيام ستة أيام من شوال بَعْدَ فريضة رمضان يعتبر سُنَّة مستحبّة وليست بواجب أو فرض، وقد سن
رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه السُّنة الحميدة ورغَّب فيها، وحث المسلمين على اتباعها والتمسك بها، لِمَا فيها من خير كثير و فضل كبير. فالصوم في عمومه عبادة عظيمة وطاعة جليلة، تعود على المسلم بما لا يُحصى من
الفوائد الروحية والصحية في رمضان وفي غير رمضان.
فضائل صيام ستة أيام من شوال
لِصيام ستة أيام من شوال بعد رمضان فوائد كثيرة وفضائل عديدة تتنوع بين تزكية أجر الصوم في رمضان وتثبيت ثوابه، وتكملة ما نقص منه وجبر ما اختل فيه ظاهرا كان أو خفيا. كما يعتبر التوفيق في صيام ستة أيام من شوال دليلا على قبول صيام رمضان وقيامه، وهو فوق كل هذا وذاك، طاعة عظمى يشكر العبد بها ربه على نِعَمِهِ الظاهرة والباطنة. ونستعرض فيما يلي بعضا من فضائل صيام ستة أيام من شوال.
أولا: صيامها تزكية لأجر رمضان
مِنْ كَرَمِ الله على المسلم مجازاته للحسنة بعشر أمثالها، لذلك، يكون صيام العبد لثلاثين يوما من رمضان بمثابة صيامه لثلاثمائة يوم. فإذا أتبعها سِتًّا من شوال احتُسبت عند الله ستين يوما. وهكذا، يصير صيام رمضان بعشرة أشهر وصيام الست من شوال بشهرين. وهو ما ورد عن النبي فيما رواه مسلم بقوله: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْر ِ). ففي صيام الست من شوال تكملة لأجر رمضان، وتزكية لصيامه بما يعادل سنة كاملة.
ثانيا: صيامها تكملة لما نقص في رمضان
مهما بلغ حرص المؤمن على صحة صيامه في شهر رمضان، ومهما وصلت عنايته واهتمامه بهذه الفريضة الإسلامية العظيمة، يمكن لصيامه ذاك أن يشوبه نقص أو خلل ظاهر أو خفي، ويمكن لظروفه الصحية والنفسية بعذر شرعي أن تمنعه من صيام يوم أو أكثر من رمضان، فيكون بذلك في حاجة إلى عمل آخر يَجبُر صيامه ويكمل ما نقص منه. وهنا يبرز فضل صيام ستة أيام من شوال، لأنها تكمل ما نقص من صيام رمضان وتثبت أجره بإذن الله. وقد اتفق العلماء والفقهاء على أن الفرائض تكمل بالنوافل يوم القيامة.
ثالثا: صيامها علامة على قبول صوم رمضان
إتْبَاعُ المسلم الحسنة بحسنة أخرى بعدها دليل على قبول الحسنة الأولى منه، وإتْباع حسنة بسيئة أخرى بعدها علامة على رد الحسنة وعدم قبولها منه. فعندما يتقبل الله سبحانه وتعالى عمل العبد المؤمن يشرح صدره للعبادات والطاعات ويوفقه لعمل صالح بَعْدَ آخَرَ قبله. ومن هذا المنطلق، يبدو توفيق الله تعالى للعبد للمسلم لصيام ستة أيام من شوال كعلامة قوية على تقبل صيامه في شهر رمضان الكريم.
رابعا: صيامها شكرا على نعمة صوم رمضان
إذا مَدَّ الله في عمر العبد فبلَّغه رمضان فتلك هدية ربانية كبيرة، وإذا وفقه فصام رمضان وأطاع الله فيه فذلك فضل كثير، وإذا اختاره الله تعالى وغفر له ما تقدم من ذنبه بفضل رمضان فتلك نعمة عظيمة ما بعدها نعمة. لذلك يكون صيام العبد لستة أيام من شوال بعد رمضان كنوع من الشكر لله تعالى على هدية بلوغ رمضان، وفضل صيامه، ونعمة مغفرة الذنوب فيه. فقد كان النبي يقوم الليل حتى تتورّم قدماه، فيقال له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخّر؟ فيجب قائلا: (أَفَلا أَكُونُ عَبْداً شَكُوراً).