الترابي : داعش ليست صنيعة غريبة ولا اشك في اخلاص الدواعش
[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
ظهرت الحركات الإسلامية بعد النصف الأول من القرن العشرين، ما هي الأفكار التي تميّز هذه الحركات عن غيرها؟
أولاَ رسالة الإسلام رسالة خالدة وجاءت للناس كافة، لأن الله لن يبعث أنبياء من بعد النبي محمد (ص). الدين يتجدد بتجدد الظروف والإمكانات. لكن المسلمون جمدوا أفكارهم بعد النهضة الأولى التي انطلق فيها الاسلام إلى أصقاع الأرض. تخلى المسلمون عن الإجتهاد رغم أن الله يدعونا في القرأن لأن نجتهد ونتدبر آياته.
ثانيا المسلمون لاينظرون إلى أصل المعاني وجوهرها وإنما ينظرون إلى ظاهر الكلمات, لذلك ضعف الإيمان في قلوب الناس, وإذا ضعف الإيمان يتجمد العقل. تجمد الفكر في طبائع الأشياء، لأن أولياء أمور المسلمين متخلفون، يورثون الجهل لأبناءهم ويمنعون الفقه من أن يدخل مناطقهم حتى يستبدوا بأهوائهم السياسية كما يشاؤون. انعزلت الصوفية عن هؤلاء الحكام تماما، لأنهم يرون هذه الأرض “أرض الشيطان”، ولابد من الإبتعاد عن هذه الأرض والإنسحاب إلى الخلوة. وبدأ المسلمون بفصل الدين عن الدولة وإبعاده عن الطبيعة وعن العلوم، وقصره على الشعائر الشكلية. إذا سألت أحدهم ماذا تقصد برفع يديك في الصلاة لايعرف، أو ماذا تعني كلمة الله أكبر أو سبحان الله؟ حتى العرب لا يعرفون. وإذا سألتهم في الحج ما معنى (لبيك اللهم لبيك) لا يعرفون.
يجب أن ندفع الشر بالخير لأن الله أمرنا بذلك بعد أن خلقنا أحراراَ في الأرض. إن الله أمرنا بدفع الشر ونقد الخطأ، وإذا لم نفعل ذلك فإن الشر سيأتي ليستفزنا حتى نتحرك. يقول الله (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض). والآن نحن تحت هذا الاستفزاز. درست في مدارس بريطانية, رأيت التقليد الأعمى للغرب في كل شي. لقد استفزني تخلف المسلمين وجمودهم الفكري. أنا لست إلا واحداَ من الناس قدّر له أن يحمل الثقافه التقليدية التي يقرأها كل العلماء التقليديون من لغة عربية وفقه وعقيدة وغيرها. ولكن في النهاية كنت أقرأ الجديد فلست تقليدياَ بحتاَ ولست من الذين أخذهم الغرب ومسحهم تماما وأضلهم عن الدين.
إن أصول الفكر الإسلامي تجمد منذ الفترة التي تلت الإمام الشافعي رحمه الله. وتأثر الفكر من بعده بالمنطق الإغريقي الصوري الذي نقله كثير من الناس. في الحقيقه لابد أن نستفيد من كل الثقافات، لكن لايجوز أن تكون هي الأساس الذي نبني عليها أفكارنا. وجدت الفرق بيننا وبين النموذج الإسلامي في المدينة. عدنا إلى أيام الجاهلية وبدأنا نتعبد شيوخنا كما كانوا يتعبدون الأصنام في الجاهلية. قاداتنا السياسيون والوطنيون أخرجوا الدين من السياسة والفنون والرياضة وأبعدوه عن العلوم والإقتصاد، وحصروه في المساجد كما يحدث هناك في الكنيسة. زرت تركيا مراراَ ورأيت كيف أبعدت عن تاريخها وهويتها. كما أني زرت أسيا وأعرف تاريخ المسلمين هناك والظروف التي مروا بها.
جاء الإستعمار إلى هنا. وقامت ثورة ضد المحتل البريطاني. محمد علي باشا هو من جاء بهم إلى هنا. هو ألباني وينسب إلى الترك، وهو ليس من الترك وليس من العثمانيين، وجاء ليحكم السودان ويستعمره كما تستعمر الدول الأوروبية. هو قاتل حتى العثمانيين، وهو لم يأت من أجل الدين، بل كان يريد ذهباَ وجنوداَ، وليؤمن المال من أجل مصر، وجاءنا بخبراء استعمار من بريطانيا والنمسا وايطاليا. وهذا ما أثار حفيظة الناس فقاموا بثورة ضده. كان يظن أن الناس لن تخرج عن أمره، لأنه منسوب إلى الخلافة والخلافه لايجوز الخروج عليها، هذه هي الأوهام القديمة عندهم، ولما خابت ظنونهم اخترعوا لهم نظرية اسمها “المهدي”. وقامت الثورة المهدية وبدؤوا بالجهاد، ولكن عندما وصلوا إلى الحكم لم يستطيعوا إدارة البلاد، لأن كتبهم لا توجد فيها أحكام إدارة البلاد. لا توجد في كتب الصوفية كلمة واحدة عن الاقتصاد أو معاش الناس أو عن التعاون مع الآخر. ولما جاءوا إلى الحكم كانوا من أفشل الحكومات، وكرههم الناس بسبب طغيانهم وتجبرهم. ولما جاء البريطانيون لم يقاتلهم الناس، لأنه لا يوجد دافع. الهجوم على الدين كان غزوا ليبرالي غربي واشتراكي شرقي، وهذا ما أثار غضبنا. قرأت تفاسير القرأن في السجن ووجدت أغلب التفاسير تفاسير سطحية، وقلة قليل من التفاسير تهتم بالمعاني العميقة. القرأن نزل ليتماشى مع الواقع والحياة. ولابد أن يتناسب مع الواقع ومع الظروف ومع الابتلاءات. فقلت لابد أن أفسر القرآن.
مررت على الحركات الإسلامية كلها، فوجدتها لا تهتم بالاقتصاد، ذكروا أشياء عن الحكم (الاسلام دين ودولة). كنا نردد هذا الشعارات لكن لاندري كيف نكتب ميثاقاَ لحكم البلاد. لأنه لايوجد في الفقه ولا في الصوفية (السودان بلد صوفي) ما يدعم ذلك. قبل الصوفية كان العرب المسلمون يعيشون كما في الجاهلية، إذا أقسم أحدهم بالله وقلت له لا أصدقك فيقول لك واللات والعزة. لكن رغم وجودهم(الصوفية) لا يزال كثيرون من الناس في الجاهلية. وهذا ما سهل للغرب تقسيم العالم الإسلامي إلى دويلات متناحرة.
كتبت في الاقتصاد، بعد أن قرأت كتباَ كثيرة عن الاقتصاد وأنا في السجن. وبدأت بتفسير القرأن بشكل يتناسب مع الواقع الحديث، حتى يستطيع فهمه الياباني والفلندي بعد ترجمته إلى لغته. أشرح الآيات بعد النظر إلى كيفية تنزلها حينها. إذا قرأنا مثلا (يأيها النبي)، اليوم لايوجد نبي تخاطبه هذه الآية! لكنها اليوم تخاطب القاضي والرئيس والداعية. واذا قرأنا (يانساء النبي)، اليوم لا توجد نساء النبي, فمن تخاطب هذه الآية إذا؟ إنها تخاطب زوجة القائد أو الرئيس وتقول لها كوني قدوة للصالحات ولا تكوني قدوة للسيئات. وحاولت أن أغير في بعض الأصول، مثلا يقولون الإجماع أي إجماع الفقهاء. لكن الله لم يقل هكذا، إنما قال: الاجماع هو إجماع الأمة. أحاور الناس فأجد أفكارهم كلها خاطئة، يقولون لي القبر روضة من رياض الجنة قلت لهم: احفروا القبر ستجدون فيها عظاما ولن تجدوا حورعين ولا أنهار جارية ولا فواكه. أقول لهم يا أخوتي هذا جسد، الروح ذهبت إلى ربها ويوم القيامة ستبعثون.
وكتبت في الفنون وجئت إلى الفنانين وقلت لهم: إن الله أعطاكم هبة وهذه الهبة هي الصوت. وأعطى داوود المزامير وقلت لهم إذا عبدتم الله بهذا الصوت ستدخلون الجنة. إذا صليتم كما نصلي يمكن أن تسبقونا الى الجنة.
وقرأت في فترة السجن كل الكتب التي جمعتها بالعربية والانجليزية والفرنسية والألمانية. وقرأت تاريخ المسيحية وكيف ضلّت. وقرأت تاريخ تركيا وماذا جرى لها، وعن أصول الأتراك. واذا أردت الكتابة عن حركتنا أكتب عن أخطائنا حتى لايقع فيها الناس، وأخطائنا معظمها في الحكم.
كما ذكرت إن أكبر مشكلة هي الجمود، والحل لابد أن نخرج من هذا الجمود والتفكير في جوانب الحياة، وأنا أريد أن أسألك هل استطعتم تطبيق هذه الأفكار خلال فترة حكمكم للبلاد بعد الإنقلاب العسكري؟
الغرب لا يريدنا أن نقترب من السلطة ويرى أن الشعوب الإسلامية والإفريقية متخلفة، ولن تستطيع الوصول إلى ما وصلوا إليه. يزعمون أنهم وصلوا إلى مستوى متقدم في حقوق الإنسان، ورغم ذلك يستعمروننا، فكيف تتحدث عن الحرية وتأتي لتستعمرني وتستغلني وتأكل أموالي وتأخذ الأفارقة رقيقا وبالآلاف، وتصدّرهم كما تصدر الفواكة إلى أمريكا. يقولون إذا طبقوا فينا الديمقراطية سيأتي شيء اسمه الإسلام. والإسلام خطر بالنسبة لهم. فهم إذا وجدوا أن الإسلاميين فازوا بالإنتخابات لا يرضون. انظر إلى تركيا، كم مرة ألغوا الأحزاب الإسلامية. نحن هنا كلما اقتربنا من الحكم جاء الأمريكان وقالوا للحاكم هؤلاء خطر عليك لابد أن تقضي عليهم. لأنهم يمنعونا الخمر. في كل مرة يتم إبعادنا عن الحكم بضغط من الأمريكان. غلقت الأبواب في وجهنا فماذا نفعل؟ يقول الله (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) فقلنا اذن نأت بانقلاب عسكري، فنحن كنا مضطرين للقيام بانقلاب عسكري.
كما فهمت من كلامك أنكم لم تجدوا فرصة لتطبيق أفكاركم بسبب الضغوطات الداخلية والخارجية عليكم هل هذا صحيح؟
طبقنا القليل منها، طبقنا المصارف الإسلامية ونشرنا اللغة العربية في البلاد، وقمنا بتعريب علوم الطب والهندسة والبيطرة، ودرسنا أبناءنا كذلك الإنجليزية، ولكن مع الحفاظ على لغتنا. الغرب كان يضيق علينا كثيراَ. وجاءت الصين إلينا واستثمرت في البترول والتجارة.
قلتم في بداية الحوار أن السبب التخلف هو الجمود هل أحدثتم أي تقدم يخدم مشروع التخلص من الجمود؟
أرسلنا الطلاب السودانيين إلى الخارج بهدف التحصيل العلمي. لكنهم انغمسوا كثيرا في التاريخ وتأثروا بالفكر السلفي. أعتقد أن الفكر السلفي أيضاَ إلى زوال.
كما تعرف في عام 2011، بدأت ثورات الربيع العربي وبعد هذه الثورات دخلت منطقة شمال أفريقية والمنطقة العربية مرحلة جديدة، ماهو رأيكم في القواعد الأساسية للحراك الشعبي الذي أشعل فتيل هذه المرحلة؟.
سبب قيام هذه الثورات هو زيادة الوعي العام، واتساع الآفاق بسبب الإنفتاح على العالم. الإضطهاد كان متفشياَ في تلك الشعوب، وعندما انتشر الوعي خرج الناس. في بداية الربيع العربي قالوا: هذه ثورة شعب اتضح فيما بعد أنهم لا يملكون خطة ولا أهداف واضحة يمشون عليها. الغرب لا يريد للشعوب أن تتطور، والآن يضربون كل بلد يظهر فيه الإسلام.
هل يمكن أن نقول أن حركة الإخوان والحركات الإسلامية الأخرى فشلت في قراءة هذه المرحلة؟
انظر أنا لا أشك في إخلاص “داعش” وهم كانوا أحنافاَ مثلكم وليسوا بصناعة غربية. لكن ليس لهم منهج الآن. وهناك الكثير من المخلصين الذين خرجوا من السودان ومن أمريكا وانضموا إلى “داعش”. انهارت كل الدول بسبب الغرب لذلك رأى هؤلاء أن الدين هو التشدد. هكذا فهم الدين هؤلاء رغم إخلاصهم. الإخوان المسلمون أكثر ثقافة من هؤلاء المتشددين. مشكلة الإسلاميين هي في الحكم، لأنه لا يوجد كتاب يتحدث عن الحكم عند المسلمين. هناك كتاب واحد هو الأحكام السلطانية. أما في الإقتصاد فتحدثت الكتب فقط عن التركة. لكن ليس هناك كلام عن العملة وارتفاع العملة ونزول العملة. فأنا أقول لهم لا تكتبوا لنا مرة أخرى كتب في الصلاة والعبادات، اكتبوا لنا كتبا في الحكم في الفن والرياضة في الأفلام والتلفزيون، لأن شاشتنا مليئة بالأفلام الغربية التي ضيعت شبابنا. أما الكتب القديمة التي تحدثت عن الحكم في الإسلام فكلها تتحدث عن الخليفة هل يكون قرشيا أم لا، وهذا كلام فارغ . لابد أن يكون لدينا أدب وفكر ونجرب ونخطيء حتى نستفيد من أخطاءنا .
كيف تقيمون تجربة حزبة العدالة والتنمية في تركيا؟
ذهبت إلى أنقرة وحضرت مؤتمرا هناك، وزرت اسطنبول. أمرنا الله في القرآن بالتدرج في تحريم الخمر والربا . وأنتم تعملون بالتدرج. عندما ذهبت إلى تركيا ورأيت المساجد، علمت أن هناك ديناَ لن يموت وبذرة ستبقى تنتج. وتركيا الآن تمشي بتدرج.
اذاً يمكن أن نقول أن أردوغان ناجح؟
انا أعرف أردوغان جيداَ. وفيما يتعلق بالانتخابات فإن الغرب سيحاول أن يقف ضدكم فهم يخافون من الأتراك جداَ لأنكم منضبطين ولا تميلون للتشتت مثل العرب. الحكام العرب سيئون والجامعة العربية سيئة ونحن انقسمنا إلى دويلات، ويوما ما سنتوحد من جديد. وقريبا سيحدث شيئ، ربما سيتغير الوضع في السودان أو في تركيا.
بالأمس كان ذكرى فتح اسطنبول ما رأيكم في هذا الفتح؟
الغرب يغضب كثيرا حين يسمع فتح اسطنبول. لأنها كانت عاصمتهم، وبالنسبة لنا تذكرنا التاريخ. في الماضي كانوا يقولون لنا لا تنتقدو أحداً لا عثمان ولا معاوية وهذا غير منطقي، ولابد لنا أن ننتقد ولكن لانقول هذا في النار وهذا في الجنة. والله هو من سيزن الأعمال، والآن تركيا نهضت إقتصادياَ وهذا أمر إيجابي.
أوروبا تعاني بسبب الهجرات المتزايدة من أفريقيا إليها. وأغلبية الأفارقة المهاجرون مسلمون. كنا نسعى لنشر اللغة العربية لكن الجامعه العربية لم تسمح بذلك بسبب الضغوطات الغربية عليها. الآن لا يوجد دين في العالم. المسيحية انتهت واليهودية أصبحت عصبية بصورة غريبة، ونحن المسلمون مطالبون بنشر الإسلام في كل مكان.